www.maaal.com/archives/20170813/95261
مقالة الاستاذ زياد الدريس المعنون بـ "اللهم اكسر قلمي"، تحتاج لوقفة طويلة ومتمعنة، ما يهمني هنا الوجه الاقتصادية لمقالته، والتي وان لم يتناولها بشكل صريح مباشر، لكنها بكل التأكيد هي الوجه الاخر للعملة السياسية وكلاهما يؤثر في الاخر مع شراكتهما الأساسية في المنظومة الاجتماعية ككل. اود التنويه الى انه يجب ان تقتصر النظرة في مقالي هذا على مقالة الدريس دون ربط مقالاته الاخرى، فقط نظرة على حالة اقتصرتها على بوحه في " اللهم اكسر قلمي".
يتحدث الدريس عن حالة انتابته - ولا استغربها شخصيا - ونحن الان في طور تحول سريع جدا, فما نؤمن به من ثقافات وتراث وعادات وتقاليد ترسخت على مدى عقود طويلة جداً, بحيث اصبح معها استحالة التغيير بين يوم وضحاه, اليوم ونحن في هذه المرحلة الانتقالية نجد انه قد نشأ او في طور النشوء صراع بين الجديد والقديم, بين المتعارف عليه وبين الحديث (المجهول), هذا الصراع الذي عادة يحتاج لعقود طويلة حتى ينتهي بصورة او بأخرى على شكل اندماج بين الموروث وبين الحاضر.
غالبا وفي خضم هذا الصراع الازلي يجد المجتمع من الوقت ما يكفيه للاختيار والمقارنة بين ما يتواكب مع مفاهيمه وبين ترك ما يحتوي على بوناً شاسع عن حاضره, ومع مرور الزمن تتشكل المفاهيم الجديدة المتفق عليها من كل الأجيال, فالزمن وحده كما علمنا التاريخ من يتكفل بتضييق ذلك البون ليتم فيما بعد قبوله بعد تهذيبه, بما يتفق كذلك والذوق العام والحالة السائدة, اكرر نفسي بالتركيز على ان الزمن والزمن وحده ما نحتاجه للتغيير الإيجابي الصحيح.
الاهم في هذه الحالة ان يكون هناك حرية في الاختيار دون تدخل خطط ممنهجة تسرع من ذلك, فالنضوج السريع في المواد الغذائية مثلاً بواسطة الكيماويات وتغيير الجينات يعطيك فاكهة دون خواصها الطبيعية المفيدة وان اعجبك شكلها ورائحتها, وهذا مثالاً بالضبط لما هو حاصل في تسريع نضوج التحولات العالمية سواء عندنا او دوليا.
وعليه لا أستغرب احاسيس الكاتب الدريس ومشاعره وهو يخاف على قلمه من التأثر بالمتغيرات السريعة والمتلاحقة, خصوصاً وهو يرى ان ساحة الكتابة العربية بشكل عام تفتقر لاهم مقوماتها التي تصنع منها كتابة مفيدة وهادفة, وهو خلوها من الحرية التامة في التعبير عن الراي بجانب ابداءه, بل ان بعض الاقلام ملزمة ان تكتب بما لا تؤمن به, وهنا الطامة الكبرى ان سلكنا مضيق " الجمهور عايز كده".
ناهيكم اننا في مسيرتنا هذه سنواجه سباعا ووحوشا تضمر لنا الشر سرا وعلانية, اجتهدنا في نحرها لكننا ما فعلناه اسفا اننا فقط اطلقنا على جحورها رصاصة الإيقاظ , وهل كان بالآمكان ترويضها بكل أسلوب ممكن يرافقه الصبر؟ نعم لأنه أيضا الزمن كفيل بخلق فرص اقوى لتغيير مساراتها او الانتهاء منها حين نقدر على ذلك مرة واحدة وللابد, فاليوم نجابه عداوتها شرقاً وجنوباً وفى الشمال جمراً تحت الرماد.
في خضم كل ذلك وما يتبعه من تكلفة اقتصادية قد تضغط على كاهل الاقتصاد الوطني, الذي اذا تأثر فسوف يؤثر على نواحي سياسية متنوعة وبالتالي تتأثر المنظومة الاجتماعية الشاملة لمجتمعنا السعودي والعربي على حد سواء، لطالما ناشدت وأكدت على أهمية وجود مراكز ابحاث مستقلة لها حرية البحث والاختيار مع التزام الحياد, ليس الا لكي نطمئن اننا نسير في الاتجاه الصحيح.
في خضم كل هذا التفكير بصوت عال وصدى دعوة الدريس بأن يكسر قلمه، فإن كل ما يرهق تفكيري وما أخشاه: ان تتأثر قنبلتنا الذرية مع التحولات المتعددة السريعة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، هل قلت قنبلة ذرية؟ علني افشيت سراً؟ لا ابداً ليس بسر, لعلكم تستغربون ان قلت ان وطني المملكة العربية السعودية وولاة امره حفظهم الله يمتلكون قنبلة ذرية من نوع فعال جدا يجب المحافظة عليها, ويجب ان تكون كل الاولويات لها, اكرر كل الآولويات،
هذه القنبلة هي سلاحنا ضد الأعداء, وليس كأي سلاح فهو فتاك يصد اعتى الأسلحة ويدحر كل طامع مهما عظمة قوته, انه الشعب السعودي النبيل , الانسان المواطن المنتمي لوطنه وقيادته, هذا الشعب الذي وقف على الدوام ويقف مع دولته بقيادة ولاة امره وتحت راية التوحيد, ايمانا منه بان هذا هو قدره الذي اختاره له الله قبل ان يكون واجبه الملزم به.
موضحا اكثر في كينونة ما أخشاه مع ادراكي التام ان ذلك لا يغيب عن قيادة هذا الوطن الغالي, وانما من باب التذكير فإنها تنفع المؤمنين, اقول ان الاسلحة في مستودعات الذخيرة يتم نقلها وتغيير مكانها بهدوء ورفق تام جدا, وبحركة بطيئة جدا حتى لا تنفجر او تعطب, لأنها اذا حركت بسرعة سقطت, وبدلاً من ان تكون سلاحا يردع العدو تكن نيرانا صديقة لا تؤذي الآ أصحابها, وذخيرتنا في شعبنا الذي حاول الاعداء اغرائه كيوم ما سمي زورا "يوم حنين", كذلك محاولات مرتزقة لندن وغيرهم, كلها باءت بالفشل رغم تكرار محاولاتهم, والسبب هو الشعب السعودي ومعدنه الذي ليس فقط لم يتبعهم بل لم يصدقهم من أساسه.
لآن الاباء والآجداد والمؤسس ورجاله رحمهم الله حصنوهم برباط عظيم مربوط بآعالي السماء.
اختم بالقول ان اهم فيتامين ممكن ان يغذي سلاحنا الغالي هو حرية الراي والتعبير عنه, واهم مرض معدي يدمر كل خلاياه هو الفساد المالي اولاً والاداري ثانياً, والقضاء على الاول هو بوابة العبور للقضاء على الثاني. نعم للأسف ليس الدريس وحده من يشعر بالدوخة من كثر ما يرى ويسمع من متغيرات عديده في المفاهيم والانكشافات التي لم تترك البعض من الجميع على مختلف مستوياتهم من كتاب ومثقفين بل وكبار مثقفين! وبكل المستويات والتوجهات .. الخ, خاصة ان هنالك من لن يستطيع ان يرى كل ذلك الخطر ممن مهمتهم ليست الا فقط التصدي لكل راي مخالف. نعم استفزني مقال الاستاذ الدريس وقبل ذلك استفزتني محبتي لوطني وولائي ومحبتي لولاة الامر حفظهم الله.
هنا آود ان اوكد الى اخي الفاضل الاستاذ زياد الدريس بالقول. لن ينكسر قلمك اطلاقاً بآذن الله لآنك ممن يُغلب المصلحة الوطنية على الخاصة وينصر وطنه وولأة امره بالحق. استمر فقلمك وحروفك وامثالهما بلسم الاقلام ومدادها ومشاعل الاقلام والوطن.
مع الختام وفي هذه الايام ما اجمل ان نستحضر فرائد وعناقيد عذبة من ذلك الرجل فقيد الوطن رحمه الله الدكتور غازي القصيبي:
وإنْ مـضيتُ.. فـقولي: لم يكن بَطَلاً
لـكـنه لــم يـقبّل جـبهةَ الـعارِ
إن سـاءلوكِ فـقولي: لـم أبعْ قلمي
ولـم أدنّـس بـسوق الزيف أفكاري
اللهم ثبت اقلامنا على الحق.