ان نجاح ضريبة القيمة المضافة (ض ق م) مهم جدا للاقتصاد، وهو معيار حقيقي يدل على وجود إنتاجية مربحة ، لكن أي خطأ في عملية تطبيق الضريبة بدءا بالغاية نفسها، فانه بكل اختصار يعني اغلاق المزيد من الشركات والمؤسسات، وهذا يعني تسريح العديد من الموظفين السعوديين، وإضافة رب العمل وابنائه الى قائمة العاطلين,
سنحاول ان نبسط واقع هذا القرار واثره على حقول الاقتصاد الخاص وتنظيماته المتنوعة، وعلينا ان نبين قدرة هذا القطاع وماهي البداية الأمثل للنجاح في فرض (ض.ق.م)، لآن الخلايا والدوائر الاقتصادية العاملة الان في الاقتصاد الوطني بكافة شرائحه ونوعياته, هي امتداد للاقتصاد الحكومي, وقد ادمنت معه على اقتصاد ريعي نفطي.
ان المدمن لا يمكن ان تمنعه فورا بلحظة واحدة, بل يحتاج لعلاج تدريجي, وعليه فلا بد من تحديد بعض المباحث الاساسية التي لا بد لنا ان نسلط الضوء عليها.
فمما لاشك فيه أن الرؤية الوطنية التي يقودها الامير الشاب محمد بن سلمان سمو ولي العهد حفظه الله بتكليف من خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ، لو لم يأتي منها الا تحريك المياه الراكدة, والتي من ثمارها غربلة جميع القطاعات العامة وتحديد مساراتها, وربطها بمعايير الاداء، ولا غرابة ان يصبح اليوم منصب وزيراً علامة على التعب والارهاق.
ان من اهم ضمانات نجاح السرعة في الخطط المتميزة خلق معايير تقيس مدى رضى المواطن, والاهم مدى تأثر الطبقة المتوسطة بالتحول السريع الطموح, لان هذه الطبقة الاهم في جميع التوازنات,
ثمة حقيقة قد تغيب عن البعض وهي اننا لا نملك اقتصاد بالمعنى الحقيقي, لان كل الدخل تقريباً مصدره ريعي من مادة طبيعية متى ما نضبت او تدنى سعرها, فسوف يصبح لدينا فقط مظاهر للاقتصاد من مطارات وجامعات وطرق وغير ذلك من بنى تحتية, سنواجه مشكلة في صيانتها والحفاظ عليها ما لم نملك اقتصاد انتاجي يوازي الريعي بما لا يقل عن 50% من الدخل القومي.
واقعيا اليوم, القطاع الاهلي لا يشارك بأكثر من 15-20% من الدخل القومي, والسلبية الإضافية ان جله كذلك يعتبر امتداد للاقتصاد الحكومي، ثم اذا اضيف الى ذلك ان بعض الأنظمة والقوانين الحالية لا تخلق بيئة صالحة للاستثمار، لأنها نمت في وقت كانت الدولة بغنى عن القطاع الاهلي ولا يمثل لها دخله اي اهتمام، وعلى سبيل المثال ، حتى تستطيع مزاولة أي عمل يجب ان تجتاز ثلاث حواجز: وزارة التجارة والبلدية والغرفة التجارية, واذا كان العمل يتطلب ترخيص فني او مهني أيا كان نوعه ،هنا ينطبق المثل (ياليل ما أطولك), هذا خلاف ان كل جهة لها شروطها ورسومها, من رسوم لوحة المحل الى رسم سنوي على مساحة المكان, كل هذا والمستثمر الجديد لم يحصل بعد على ريال واحد, ثم يطالب بقوائم مالية معظمها لا يعكس الوضع المالي الفعلي, والمفارقة العجيبة ان بعضها لم يكتمل قانونيا ومع ذلك يطلب منه قوائم, اما اذا اردت ان تغلق اعمالك حتى لو لم يكن لديك عمل اصلا وشركتك هاجعة, اَي لاتعمل ، أيضاً لابد من تقديم قوائم مالية، وتلك معاناة معقدة يطول شرحها.
اليس من تيسير الاعمال ان يكتفى بجهة واحده للترخيص ويكتفي بقوائم محاسب المنشأة نفسها بدلاً محاسب خارجي، وتتحمل المنشأة مسؤلية ماتقدم لما في ذلك من توفير تكاليف باهضة تفرضها مكاتب المحاسبة التي يساعدها النظام في ذلك الى درجة ان تتحول اعمال معظم المكاتب المحاسبية الي تصديق القوائم بدلاً من إنشائها.
في دولة مثل بريطانيا لا يكلفك انشاء شركة حتى لو كنت اجنبي سوى 1500 ريال, وجهة واحدة للترخيص، والغرف التجارية هناك ليس من بين همومها دراسات ولجان لفك التناقضات في أنظمة الاعمال والقوانين السائدة , ولا تصديق تواقيع ولا اشتراكات, بل همها تشجيع الأعمال, ومثال اخر حول رسوم العمالة ومرافقيهم مع تزامن الضريبة المضافة, علماً ان رسوم العمالة وضعت لأجل توظيف المواطن, انما في نفس الوقت وهذا ما لا يدركه الا من هو في سوق العمل, فإنها تسبب خروج المواطن من سوق العمل نظراً لان هناك العديد من المؤسسات التي ستغلق ابوابها, وبالتالي حرمان المواطن من الاحتكاك بالخبرات الاجنبية المتميزة, والذي من المفترض ان تزاح تدريجياً, أي الاحلال بدلاً من الاسقاط, حتى نضمن نفس الكفاءة لنفس المكان ونضمن استمرار المنشاة التي هي الاصل في خلق الوظيفة ودفع ضريبة القيمة المضافة وتكاليف العامل.
مما ذكر أعلاه, فأن اقتصادنا الاهلي لم تكتمل اركانه بعد, طاقته الإنتاجية لم تتجاوز الـ 20%, المفترض ان يتم استكمال قيامه الفعلي بالإنتاج ومن ثم قطف الثمرات، بل ربما كان من الأفضل بناء وتهيئة البيئة الضريبية باقتصاد منتج ومن ثم الفرض.
وعليه فانه وحتى تنجح ( ض ق م ) فإنه يتعين على هيئة الزكاة والدخل ان تبدا بنسبة متدنية لمدة سنتين او ثلاث, مثلاً من نصف الى 1% , لآني متأكد تماما ان العديد من الشركات ستدفع غرامات باهظة جراء جهلها بالتطبيق وعدم فهمه تفوق قيمة الضريبة المضافة, وهذا يعني فعليا بلغة السوق ارتفاع التكاليف والتضخم والإرباك وينتج عنه اغلاق المزيد من المؤسسات الوطنية وبالذات الصغيرة والمتوسطة, ولن تسلم الاحجام الاخرى خصوصاً ان اقتصادنا الاهلي هش وضعيف ولم تكتمل اركانه التي هي اهم شروط فرض اي ضريبة, وبذلك نكون كمن يساهم في خلق بيئة استثمارية طاردة لراس المال. ومن ثم فأن بناء السوق صعب جداً.
والتجربة الضريبية والتجارب بشكل عام خاصة في امر وليد وحساس مثل الضرائب فالتجربة التي تسبق التطبيق تندرج ضمن اهم شروط السلامة والنجاح ، تلافياً لسوء فهم النظام أو أي خلل في النظام نفسه لايرى الا وقت التطبيق فقط، ثم أن تجارب ما قبل التطبيق يعمل بها المحترفون ومن تهمهم سلامة المستهدف والوصول للغاية المستهدفة ، في المجال الإنساني حماية لسلامته وصحته ، وفِي المجال الاقتصادي تلافياً لخلق التسمم الاقتصادي.
أن التسمم الاقتصادي اذا تم ادخاله في الجسم الاقتصادي سيدمر ويربك عجلة الاقتصاد ولا يمكن معالجته إلا بعد دفع مبالغ باهظة تفوق كثيرا جدا المبلغ المستهدف والمحصل من مجموع القيمة الضريبية المُضافة . وأتمنى إعطاء هذا المفصل الهام حقه من الانتباه والدراسة.
ان اهم مفاتيح نجاح (ض.ق.م) بشكل عام ثلاث مفاتيح اساسية:
1-دقة السياسة المالية وهي مربط الفرس هنا
2-سهولة ممارسة الاعمال والخروج منها
3-حفظ المال العام وترشيد النفقات, والماليين يدركون الفرق بين حفظ المال العام وترشيد النفقات.
هذه الشروط الثلاثة يجب ان تكون بداية لبناء اقتصاد منتج يستطيع ان يسد النقص في النفط, وهذا بلا شك يتطلب سنوات من الجهد يصاحبها تحفيز اقتصادي,
وقبل الختام مثالاً عن الدقه في السياسة المالية مثلاً في بريطانيا أيضا الضريبة المضافة هناك تستثني عديدا من مواد تمس التعليم والغذاء والصحه والتصدير وإعادة التصدير وذوي الاحتياجات الخاصة, بل وتمايز وتدقق في نفس السلعة رعاية لنمو الاقتصاد, ولا تفرض الضريبة على الكتب ولا الجرائد التي تباع بالمحلات والأسواق, بينما نفس الاصناف التي تباع الكترونياً ( on line ) تفرض عليها ضريبة لانخفاض تكاليفها مقارنة بالأسواق العادية.
واختم بسؤال مهم لوزارة المالية، ايهما اهم: خفض عجز الميزانية ام نمو الاقتصاد؟ ايهما له الأولوية في اقتصادنا الوطني بظروفه الحالية ؟؟.